في عصر يشهد تطوراً سريعاً في مجالات التكنولوجيا الطبية، تبرز الابتكارات التي تعيد الأمل لمرضى الحالات العصبية المستعصية. و مع تزايد الاهتمام بتقنيات العلاج غير الجراحي أصبحت الحلول المتقدمة التي تساعد على تعزيز تعافي الدماغ محط أنظار الباحثين والمهتمين بالصحة. و بفضل التكنولوجيا الحديثة بات من الممكن تحقيق تقدم ملموس في علاج الأمراض العصبية المزمنة مثل السكتة الدماغية، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعافي واستعادة الحياة الطبيعية.
الآن، دعونا نلقي نظرة على إحدى هذه الابتكارات المذهلة التي تجمع بين العلم والعزيمة الشخصية لتحقيق تغيير جذري في حياة المرضى.
تقنية مبتكرة للتعافي من السكتة الدماغية: رحلة أبٍ في البحث عن علاج لابنه.
تمثل تقنية التحفيز الكهرومغناطيسي التي طورتها شركة BrainQ حلاً مبتكراً لتسريع تعافي الدماغ بعد السكتة الدماغية. تعتمد التقنية على خوذة متطورة تُحدث مجالاً كهرومغناطيسياً منخفض الكثافة والتردد، مصممة خصيصاً لتعزيز عملية شفاء الدماغ.
مثل العديد من رواد الأعمال الإسرائيليين، اكتشف يارون سيجال Yaron Segal مشكلة ملحة وسعى لحلها. في بلد يشتهر بالابتكار التكنولوجي، أسس سيجال Segal شركة ناشئة لتحقيق هذا الهدف. لكن هدفه لم يكن تحقيق النجاح التقليدي الذي يسعى إليه معظم رواد الأعمال، بل كان لديه دافع شخصي أقوى: العثور على علاج لابنه لير Lear الذي وُلد قبل 23 عامًا و يعاني من خلل التوتر العصبي العائلي Familial Dysautonomia، وهو اضطراب عصبي نادر ومزمن.
و رغم أن يارون سيجال Yaron Segal كان فيزيائيًا متخصصًا في المناخ والنماذج ثلاثية الأبعاد، وهو مجال بعيد عن الأبحاث الطبية، فإن تشخيص مرض ابنه لير Lear في سن الثلاثة أشهر شكل نقطة تحول فارقة في حياته. بدلاً من الاستمرار في مساره المهني التقليدي، قرر سيجال Segal توجيه طاقاته بالكامل نحو البحث عن علاج فعّال لهذا الاضطراب العصبي النادر، مكرساً حياته لمهمة شاقة كانت تدور حول تحسين حياة ابنه.
اكتشافات رائدة في مجال إعادة تأهيل الدماغ.
لم يصل سيجال Segal بعد إلى علاج نهائي، لكنه حقق خلال رحلته الطويلة والمليئة بالتحديات اكتشافات مذهلة عن قدرة الدماغ على تجديد نفسه. من خلال أبحاثه، تمكن سيجال Segal من تطوير علاج مبتكر يساعد مرضى السكتة الدماغية على استعادة استقلاليتهم والعودة إلى حياتهم الطبيعية. ويُعتقد أن هذه التقنية قد تكون فعالة أيضًا في المستقبل لعلاج حالات أخرى مثل الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة PTSD، و اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD، فضلاً عن إصابات الحبل الشوكي والدماغ الرضحية.
و تعتمد خوذة BrainQ غير الجراحية على تكنولوجيا الحوسبة السحابية لتوليد مجال كهرومغناطيسي منخفض الكثافة حول رأس المريض. الهدف من هذه التقنية هو محاكاة الموجات الدماغية الطبيعية، مما يساعد الدماغ على إعادة بناء الروابط العصبية التي قد تكون تضررت بسبب السكتة الدماغية أو إصابات أخرى. في التجارب السريرية، أثبتت الخوذة فعاليتها في تحفيز الدماغ لتشكيل روابط عصبية جديدة، مما يعزز فرص المرضى في استعادة وظائفهم العصبية.
تأسست شركة BrainQ في عام 2016، ومنذ ذلك الحين شهدت نمواً ملحوظاً حيث وظفت فريقاً مكوناً من 25 شخصاً في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. نجحت الشركة في جذب استثمارات بقيمة 50 مليون دولار، مما يعكس الثقة الكبيرة في تقنيتها المبتكرة. كما حصلت خوذة BrainQ على ختم الموافقة CE من الاتحاد الأوروبي، مما يدل على التزامها بالمعايير الأوروبية الصارمة. بالإضافة إلى ذلك، حصلت على تصنيف "جهاز مبتكر" من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، وهو تصنيف يسرع من عملية التطوير والمراجعة، مما يتيح للمرضى الحصول على العلاج بشكل أسرع وأكثر فعالية في مراحل مبكرة.
مواجهة التحديات الطبية السائدة بنظريات جديدة.
كان سيجال Segal يدرك تمامًا أنه يتحدى المفاهيم الطبية السائدة، وكان مستعدًا لمواجهة هذه التحديات. كان يؤمن بشدة بأن الدماغ البشري يمتلك قدرة هائلة على التعافي بفضل ما يُعرف بـ"المرونة العصبية" Neuroplasticity. هذه المرونة تمكّن الدماغ من التكيف وإعادة هيكلة اتصالاته العصبية استجابةً للتجارب الجديدة، مما يفتح آفاقًا واسعة لإمكانية التعافي من الإصابات والأمراض العصبية.
في عام 2010، شرع يارون سيجال Yaron Segal في تجاربه الرائدة بتمويل من الأصدقاء والعائلة. و خلال عامين فقط نجح في إثبات أن فئران التجارب التي تعرضت لإصابات في الدماغ والحبل الشوكي استطاعت استعادة قدرتها على الحركة بفضل تقنيته المبتكرة. ورغم هذا النجاح الملموس، واجه سيجال Segal مقاومة من بعض الخبراء الذين شككوا في إمكانية إصلاح الروابط العصبية التالفة، مؤكدين أن هذا النوع من التجدد ليس ممكناً. لكن سيجال Segal لم يتوقف عند هذه الانتقادات، بل استمر في أبحاثه مصمماً على تحقيق تقدم حقيقي في مجال علاج الإصابات العصبية.
و رغم الانتقادات التي واجهها لم يتوقف يارون سيجال Yaron Segal عن أبحاثه، بل واصل العمل بتفانٍ. و بدأ في اختبار تقنيته على البشر وأجرى تجارب ناجحة على مرضى السكتة الدماغية في الهند. و في هذه التجارب يرتدي المرضى خوذة BrainQ لمدة 45 دقيقة يوميًا على مدار شهرين. و أظهرت النتائج تحسنًا ملحوظًا في قدرة المرضى على استعادة وظائفهم اليومية، مما يعزز فعالية التقنية وقدرتها على إحداث تغيير حقيقي في حياة المرضى.
نتائج ملموسة تعزز فرص التعافي لمرضى السكتة الدماغية.
أظهرت نتائج التجارب السريرية أن بعض المرضى حققوا تحسنًا ملحوظًا في قدرتهم على التعافي خلال الشهر الأول من العلاج. ومع ذلك، استغرق البعض الآخر وقتًا أطول لتحقيق نتائج مشابهة، وذلك بناءً على مدى شدة إصابة الدماغ. من بين هذه التحسينات الملحوظة، استطاع بعض المرضى استعادة قدرتهم على المشي بعد أن كانوا يعتمدون على الكراسي المتحركة، مما يعكس فعالية التقنية في تحسين جودة حياتهم بشكل كبير.
يقول سيجال Segal: "هدفنا ليس إجبار الدماغ على أداء وظائف غير طبيعية، بل نحن نعمل على تعزيز قدرته على تجديد اتصالاته العصبية الطبيعية. نحن نستفيد من نمط الموجات الدماغية الطبيعية لتحفيز عملية الإصلاح، مما يساعد الدماغ على العودة إلى حالته الصحية المثلى."
الابتكار المستمر يقود إلى تقدم علمي في العلاج العصبي.
يعاني نحو 90% من مرضى السكتة الدماغية من إعاقات طويلة الأمد تؤثر بشكل كبير على حياتهم الطبيعية. و تهدف تقنية BrainQ إلى تقليص هذه الإعاقات وتعزيز فرص الشفاء بشكل ملحوظ. من المؤثر أن نرى كيف أن المرضى، بفضل هذه التقنية المبتكرة، يتمكنون من استعادة قدرتهم على أداء أنشطتهم اليومية واستعادة جزء كبير من حياتهم الطبيعية.
تُوَاصِلُ شركة BrainQ رحلتها الناجحة في تقديم علاج مبتكر، حيث تواصل الشركة إجراء تجاربها على المرضى بما في ذلك اختبار العلاج في بيئاتهم المنزلية بعد مغادرتهم المستشفى. يوضح سيجال Segal أن دوره قد تطور منذ البداية؛ حيث كان مسؤولاً عن إدارة الشركة، ولكنه الآن يكرّس وقته للابتكار وتطوير تقنيات جديدة. هذا التركيز على الابتكار يعكس التزام الشركة بتحقيق نتائج فعّالة وتحسين حياة المرضى بشكل مستمر.
الأمل في تطوير علاج لابنه ومرضى الاضطرابات العصبية.
رغم أن يارون سيجال Yaron Segal بدأ رحلته البحثية بدافع العثور على علاج لابنه لير Lear، إلا أنه الآن يركز جهوده على معالجة السكتة الدماغية بسبب تعقيد حالة خلل التوتر العصبي العائلي. ورغم هذا التحول في التركيز، يظل سيجال Segal مفعمًا بالأمل في أن تسهم تقنية BrainQ في تحسين حالة ابنه في المستقبل، تمامًا كما ساعدت العديد من مرضى السكتة الدماغية على استعادة حياتهم واستقلاليتهم.
و في النهاية، من الواضح أن التطور التكنولوجي في المجال الطبي يفتح آفاقًا واسعة لتحسين حياة مرضى الأمراض العصبية. مع تقدم الأبحاث والابتكارات، مثل تقنية BrainQ، يمكن للأمل في التعافي أن يصبح واقعًا ملموسًا، مما يساهم في تحسين جودة حياة العديد من الأشخاص حول العالم.