في عالم يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، تصبح الحاجة إلى حلول أمن سيبراني متقدمة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. المؤسسات الكبرى تواجه تحديات معقدة تتعلق بحماية بياناتها وأنظمتها من التهديدات السيبرانية المتزايدة. لهذا السبب، باتت الشركات التي تقدم حلولاً مبتكرة وفعالة في هذا المجال تلعب دوراً محورياً في تأمين بيئات العمل الرقمية. و من هذا المنطلق يمكننا استعراض مسيرة شركة جيتبول GYTPOL وكيف أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هذا المشهد الحيوي من خلال توفير حلول عملية لمعالجة التهديدات الأمنية الناجمة عن التكوينات الخاطئة، مما جعلها تحظى باحترام كبير في الصناعة.
كانت رحلة تال كولندر Tal Kollender التي بدأت كمراهقة هاكر hacker متمرسة إلى تأسيس شركة جيتبول GYTPOL مليئة بالتحديات الكبيرة والإنجازات الرائعة، حيث تغلبت على العقبات وحققت نجاحاً باهراً في عالم التكنولوجيا.
تقول تال كولندر Tal Kollender مؤسسة ورئيسة شركة جيتبول GYTPOL للأمن السيبراني: "الجين الماكر موجود لدى الجميع لكنه لا يظهر لدى الجميع". وتضيف كولندر Kollender أن معظم الناس لا يدركون أن لديهم هذه الموهبة الفريدة، و حتى لو كانوا يدركون ذلك فهم لا يعرفون كيفية الاستفادة منها بشكل فعّال. و بالنسبة لتال Tal كانت الخسارة صعبة جدا مما دفعها منذ صغرها للبحث عن طرق لتجاوز الأنظمة والتلاعب بها للحصول على ما تريده، و منذ طولتها كانت كولندر Kollender مدفوعة برغبة قوية في الاستكشاف والفهم، مما ساعدها على تحويل هذه الموهبة إلى قوة دافعة في عالم الأمن السيبراني.
و بفضل شغفها وعزيمتها أصبحت قادرة على استغلال إمكانياتها بطرق مدهشة وهو ما يميزها في مجالها اليوم.
اكتشاف الموهبة في وقت مبكر: كيفية تحديد واستخدام الإمكانيات المبكرة لتحقيق النجاح.
متى أدركتِ أنك تمتلكين هذه الموهبة؟
منذ سن مبكرة كانت ألعاب المونوبولي Monopoly وألعاب الورق سهلة بالنسبة لي مثل أولئك الذين يقال عنهم أن لديهم وجه بوكر (وجه خالٍ من التعبيرات لإخفاء ردود أفعال صاحبه حتى لا يكشف عن قوة أو ضعف أوراقه للخصوم)، ولقد كنت الفتاة الوحيدة في الحي التي تلعب كرة القدم مع الأولاد و عندما وصلت أجهزة الكمبيوتر و الإنترنت انتقلت أنشطتي إلى ألعاب الفلاش Flash Games التي تحتوي على مسابقات. و عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري نظمت شركة مياه معدنية مسابقة ألعاب فلاش وكانت الجائزة الكبرى هو الاستفادة من ماء الشركة مجانا لمدة عام كامل. وبعد جربت اللعبة و أبليت حسناً ثم ذهبت للنوم في الصباح التالي عندما استيقظت بعد ثلاث أو أربع ساعات من النوم، لم أصدق عيني عندما رأيت أن أحدهم تصدر الترتيب قبلي لم يكن لذلك معنى بالنسبة لي لأنني كنت أعلم أنه قد استخدم حيلة ما وكان عليّ أن أكتشف كيف فعل ذلك، و أتذكر حينها أنني قلت في نفسي: 'إذا كان يستطيع فعلها إذن يمكنني أنا أيضاً و هكذا بدأت القصة".
كيف تعاملتِ مع التحديات التي واجهتِك؟
"دخلت خلف كواليس اللعبة إلى قاعدة البيانات حيث كانت المعلومات مخزنة و قمت بوضع نفسي في المرتبة الأولى. لأنني تعلمت قليلاً عن البرمجة في الصف السابع و كانت تثير اهتمامي حقًا. ففكرت: إذا كان هناك سطر برمجي يجعل الزر يقوم بعمل معين ما، ذا لو استطعت كتابة شيء آخر لجعل الزر يقوم بعمل مختلف؟ كان موقع المسابقة مكتوبًا بلغة HTML لذلك كان من السهل بالنسبة لي اختراق الخلفية وحقن استعلام في الشفرة مما مكنني من التلاعب بالمعلومات في قاعدة البيانات وجعل اسمي يتصدر الترتيب".
هل كان يهمك أنك تغشين؟
لا، لم يكن لدي شك لأنني أدركت أنني كنت في منافسة مع آخرين يستخدمون الغش و أن المسابقة كانت تدور في الأساس حول من يستطيع التلاعب بالنظام بمهارة أكبر و كنت أعلم أن اللعب بطرق تقليدية لن يحقق أي نتيجة. هنا يظهر الذكاء ليس فقط في مجال الحواسيب و لكن في جوانب أخرى من الحياة أيضًا حتى في المدرسة رغم انني كنت طالبة مجتهدة لكنني لم أكن أضيع وقتي في المحاولة دون جدوى و كنت دائمًا أبحث عن طرق أكثر ذكاءً لتحقيق أهدافي وجعل الأمور أكثر فعالية.
الانطلاقة الفعلية نحو النجاح
أيقظت المنافسة لدى كولندر رغبة عميقة في التلاعب بالنظام. وتقول: 'كانت مياه الشرب التي حصلت عليها مجرد بداية'. لاحقاً، تمكنت من الفوز بالعديد من الجوائز في مسابقات مختلفة دون الحاجة إلى المشاركة الفعلية. و في مرحلة معينة، وجدت نفسي حتى أقوم بتوزيع الجوائز على الآخرين، شعرت وكأنني النسخة النسائية من روبن هود Robin Hood.
هل تم القبض عليكِ؟
"عندما تجد نفسك دائمًا في الصدارة، تصبح الحاجة إلى استخدام أسماء مستعارة ضرورة. لكن حتى استخدام أسماء مختلفة على نفس البريد الإلكتروني لم يكن كافيًا لإخفاء الحقيقة. لذا لجأت إلى استخدام أسماء وعناوين أصدقائي. أولئك الذين لعبوا بصدق خسروا دون أن يدركوا أنهم كانوا يواجهون هاكرز، لأن اختراق تلك الألعاب كان أمرًا بسيطًا بالنسبة لي. كنت دائمًا أسعى لاستكشاف مواقع جديدة تحتوي على ألعاب مبتكرة، ومع مرور الوقت زادت رغبتي في البحث عن تحديات أكبر وأكثر إثارة."
أين وجدتِ هذا التحدي؟
بدأت بممارسة اختراق تطبيقات الدردشة، ومن ثم انتقلت إلى البريد الإلكتروني، وبعدها توسعت إلى اختراق أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة. كان كل إنجاز يقودني إلى التالي، حيث كنت أقول لنفسي في كل مرة: 'لنخترق شيئًا أكبر'. ومع تعرفي على أصدقاء في هذا المجال من خلال مجتمعات الإنترنت، أصبح لدي فرص أكبر للتحسين وتطوير مهاراتي. كانت الخبرة تأتي من الفضول والبحث المستمر. في ذلك الوقت، لم يكن يُطلق على هذه الأنشطة جريمة إلكترونية، ولكن اليوم ستواجه عقوبات صارمة، وقد تذهب إلى السجن بسبب هذه الأمور.
هل جنيت المال من ذلك؟
كلا، حتى عندما تمكنت من الوصول إلى مواقع تحتوي على معلومات بطاقات ائتمان كاملة، لم أقم بتداولها أو استخدامها. كان هدفي الوحيد هو إثبات قدرتي على الوصول إليها، لا أكثر.
التفكير بعقلية المهاجم: السر في بناء دفاع قوي ومتقدم ضد التهديدات.
من النادر أن تسمع مونولوجًا من مديرة شركة في مجال السايبر تتحدث بصراحة عن مغامراتها كهاكر في شبابها. لكن بالنسبة لكولندر Kollender التي تبلغ الآن 36 عامًا تُعتبر هذه التجارب "حماقات فعلتها يومًا ما". أما اليوم فبعد ما يقرب من 20 عامًا على انتقالها إلى الجانب القانوني من القرصنة بتوجيه من جيش الدفاع الإسرائيلي IDF تُعدّ واحدة من أبرز الخبراء في صناعة السايبر،و واحدة من النساء القليلات اللاتي يشغلن مناصب عليا في هذا المجال. و في العام الماضي حصلت على لقب "رائدة أعمال العام" من تحالف الأمن السيبراني الموحد United Cybersecurity Alliance الذي تم منحه لها في حفل أقيم في لاس فيغاس Las Vegas.
شركة جيتبول GYTPOL التي تأسست في عام 2019 بالشراكة مع جلعاد راز Gilad Raz و ياكوف كوجان Yakov Kogan تركز بشكل أساسي على معالجة اختراقات الدخول في المؤسسات. وفقًا لتقرير صادر عن مايكروسوفت Microsoft لعام 2022 تُعتبر هذه الاختراقات مسؤولة عن 80% من هجمات برامج الفدية Ransomware، وهي تتراوح من إعدادات أمان سهلة الاستغلال إلى استخدام برامج قديمة تفتقر إلى التحديثات الضرورية بالإضافة إلى انتهاكات في إرشادات استخدام أنظمة الكمبيوتر في المؤسسات.
وتوضح كولندر Kollender قائلة: "بغض النظر عن مدى قوة برامج مكافحة الفيروسات التي تعتمد عليها فإن المهاجمين الأذكياء يجدون دائمًا طرقًا لتجاوزها والتنقل بحرية داخل الأنظمة المؤسسية دون أن يُكتشفوا". وتتابع: "للحماية الفعّالة ضد هؤلاء المهاجمين يجب أن تفكر بعقلية المهاجم نفسه و تفهم كيف يفكر، ما الذي يبحث عنه، وأين سيجد النقاط الضعيفة التي يمكن أن يستغلها للوصول إلى داخل المؤسسة بسهولة."
و تقوم GYTPOL بمحاكاة الهجمات على الأنظمة المؤسسية بشكل دوري مما يكشف عن ثغرات غير مرئية حتى لأكثر آليات الدفاع تعقيداً و تتابع كولندر Kollender: "لقد أُصِبْنَا بالدهشة عندما اكتشفنا أن آليات الدفاع لا تعتبرنا تهديداً مما يعني أنها لن تتمكن من اكتشاف المهاجم الحقيقي أيضاً، و عند تحديد أي ثغرة نعمل على إغلاقها فوراً، وأحياناً نضيف سطرًا برمجيًا لسد الفجوة نهائياً".
كما تسعى الشركة جاهدة لتحسين مستوى الأمان في المؤسسات حيث تجمع بين فهم عميق لعقلية المهاجم وتقنيات حديثة لتحصين الأنظمة ضد الهجمات الإلكترونية المتزايدة.
و يقع مقر شركة GYTPOL في تل أبيب Tel Aviv و تضم فريقًا من 40 موظفًا نصفهم تم تعيينهم خلال الأشهر الستة الأخيرة، مما يعكس النمو السريع للشركة، و و فقًا لِمُؤَسِّسَتِهَا تال كولندر Tal Kollender تمتلك GYTPOL أكثر من 300 عميل في جميع أنحاء العالم من بينهم أسماء رائدة مثل كارلسبيرغ Carlsberg، كولجيت-بالموليف Colgate-Palmolive، و كرافت هاينز Kraft-Heinz في الولايات المتحدة، و في إسرائيل تشمل قائمة عملائها شركات كبيرة مثل Check Point و كلال Clal و العال El Al و مستشفى شيبا Sheba Hospital و شتراوس Strauss و فونيكس Phoenix و مستشفيات كبرى مثل مكابي Maccabi و كلاليت Clalit و مؤوحيدت Meuhedet.
و تشرح كولندر Kollender كيف بدأت الشركة برؤية متواضعة عام 2020 مع فريق صغير من ثلاثة أفراد يتعاملون مع عدد قليل من العملاء. ولكن نقطة التحول الحقيقية جاءت عندما انضمت Check Point إلى قائمة عملائهم قبل ثلاث سنوات مما فتح لهم الأبواب للدخول إلى السوق الأمريكية. "كانت تلك الخطوة الأولى نحو توسيع نطاق أعمالنا في الولايات المتحدة"، و تقول كولندر Kollender بفخر. "اليوم تجاوزت مبيعاتنا 10 ملايين دولار ومع نهاية العام نتوقع أن نصل إلى 20 مليون دولار وكل ذلك تم تحقيقه دون الحاجة إلى جمع أي تمويل خارجي".
التمويل الذاتي: الفرص والتحديات التي تواجه الشركات الناشئة.
هل قمت باستثمار أموال شخصية في تأسيس الشركة؟ جميع شركائك يتمتعون بخبرات ونجاحات سابقة.
لا، لم أستثمر أي أموال شخصية في تأسيس الشركة، ولم يقم أي شخص آخر بذلك. لقد تم تمويل الشركة بالكامل من قِبَل عملائنا، مما يعكس الثقة الكبيرة في رؤيتنا.
هل راودتك أي شكوك خلال مسيرتك في تأسيس الشركة؟
أخبرني البعض أنني لن أنجح لأن ما طورناه كان مجرد 'ميزة' وليس 'منتجًا' حقيقيا و أنه شيء بسيط و صغير. لكن هذه الكلمات لم تثنيني بل على العكس زادتني إصرارًا. فعندما يقول لي أحدهم إنني لا أستطيع أجد في داخلي قوة لا تقاوم لأثبت لهم العكس، و في العامين الأولين كان المنتج يُعتبر 'من الجيد أن يكون لديك' وكانت المؤسسات تتعامل معه كأمر ثانوي أما اليوم فقد أصبح 'ضروريًا'، ويدرك الجميع أهميته في السوق.
تعليق من أحد كبار المتخصصين في مجال الأمن السيبراني
يقول مسؤول بارز في صناعة الأمن السيبراني: "ما حققته تال Tal هو إنجاز يستحق الإعجاب في زمن يتسابق فيه رواد الأعمال لجمع ملايين الدولارات وإنفاقها، تبرز شركتها جيتبول GYTPOL كمثال نادر لشركة حقيقية تعتمد على تمويل ذاتي. و تتفرد جيتبول GYTPOL بقدرتها على توفير حلول فعالة للمؤسسات الكبيرة من خلال معالجة المشكلات الناتجة عن التكوينات الخاطئة misconfigurations وهي مشكلة شائعة تؤدي إلى ثغرات أمنية خطيرة.
لو كانت جميع منتجات الأمان توفر الحماية التي تَعِد بها لما كانت هناك حاجة إلى حلول مثل جيتبول GYTPOL فعلى الرغم من أنها لا تقدم فئة جديدة في عالم السايبر أو تحل مشكلات الذكاء الاصطناعي AI إلا أن ما تفعله هو معالجة قضايا حقيقية ومؤثرة في المؤسسات الكبيرة. بينما تَعِد العديد من الشركات بتقنيات مستحيلة تركز GYTPOL على تقديم حلول عملية وفعالة لمشاكل حقيقية فلا تبيع GYTPOL الأحلام بل تقدم حلولاً حقيقية تعالج مشكلات ملموسة.
تأثير العائلة في رسم مسيرتي: من النشأة إلى الريادة في عالم السايبر
هل كان لوالديك تأثير كبير في تشكيل مسيرتك المهنية؟
تال كولندر تعيش حالياً في تل أبيب Tel Aviv لكن نشأتها في روش هعاين Rosh HaAyin حتى سن الثانية عشرة شكلت أساساً مهماً في حياتها. فبعد طلاق والديها واجهت تحديات اقتصادية كبيرة وقالت تال Tal "لقد كانت فترة صعبة جدا و كان عليّ أن أتعلم كيف أكون قوية"، وأضافت "الطلاق يمثل ضربة اقتصادية و يخلق تحديات للبقاء و رأيت والدتي مضطرة للعمل في عدة وظائف شاقة مثل تنظيف السلالم، فقط لنتمكن من تأمين احتياجاتنا الأساسية وكانت تكافح من أجل أن نحصل على وجبة ساخنة و الذهاب إلى السينما، وشراء الكتب المدرسية الجديدة و حتى الحصول على جهاز كمبيوتر."
هل كان لطلاق والديك دور في تحفيز رغبتك في تحدي النظام والنجاح في مسيرتك؟
نعم لقد أدركت منذ وقت مبكر أن الحياة لا تسير دائماً كما نتمناها، وهذا علمَّني أهمية تقدير ما نملكه و تجاوز التحديات الصعبة منحني إحساساً بالتحكم وساهم في تعزيز إبداعي وتفكيري خارج الصندوق. و أصبحت أؤمن بقدرتي على التغلب على أي عقبة مهما كانت صعبة أو مستهلكة للوقت تعلمت أن كل شيء يمكن أن يتغير في لحظة، وأنه يجب علينا بذل جهد كبير لحماية ما نملك.
هل كان لوالدك تأثير على طريقتك في التفكير؟
نعم، كان لوالدي تأثير بالغ على طريقة تفكيري لانه عمل كمحقق خاص Private Investigator حيث كان يتولى التحقيق في قضايا مثل الخيانة الزوجية و الاحتيال على التأمين. و في عمله كان عليه دائماً أن يتوصل إلى الحقيقة بطرق ذكية ودقيقة دون أن يكشف عن نفسه و هذا النهج الذكي في التعامل مع القضايا الذي اتبعه في عالمه الواقعي أصبح أساسياً في طريقتي في التعامل مع التحديات في العالم الافتراضي.
كيف أثرت والدتك في تشكيل شخصيتك ومسيرتك المهنية؟
نعم، لقد علمتني والدتي أهمية العمل الجاد والاهتمام بالعائلة فوق كل شيء. فلسنوات طويلة كرّست نفسها للعمل في مجال المشتريات ليلاً ونهارا لتوفر لنا حياة كريمة. وحتى عندما أصيب والدي بالسرطان وأنا في الرابعة والعشرين من عمري لم تتردد في ترك وظيفتها لتعتني به حتى وفاته رغم أنه كان طليقها قامت بذلك لأن العائلة كانت دائماً في مقدمة اهتماماتها، و حرصت على أن نبقى نحن أنا وأخي قادرين على متابعة حياتنا دون أن نتأثر بتلك المحنة.
رحلة من الجيش إلى السايبر: التحول من الدفاع الوطني إلى حماية العالم الرقمي.
بدأت كولندر Kollender مسيرتها في مجال السايبر عندما انضمت إلى وحدة سرية في الجيش الإسرائيلي IDF حيث كان الحصول على تصريح أمني صارم جزءًا أساسيًا من العملية. وذكرت كولندر Kollender بابتسامة: "كان عليّ أن أذكر في الاستبيان كل شيء فعلته في الماضي،َ لكن الورقة لم تكن تكفي لكل التفاصيل". تضيف: "ثم قال لي الشخص الذي أعطاني الاستبيان: 'لا تقلقي، نحن نعرف كل شيء بالفعل و عندما تصلين إلى جهاز كشف الكذب كوني صادقة وقولي: "لقد أخطأت، ارتكبت أخطاء، لكنني الآن أضع مصلحة الوطن فوق كل شيء". و منذ تلك اللحظة بدأت أغير طريقة تفكيري، و وجهت التفكير في مصلحة بلدي قبل كل شيء آخر."
كيف تمكن الجيش من معرفة ما قمتِ به؟
فيما بعد، اكتشفت أن الجهات المعنية بالحصول على التصريح الأمني قد تواصلت مع أشخاص لم أكن أدرك أنهم تحدثوا معهم عني. وعندما يسمع الناس اسم الشاباك Shabak يبدأون في الكشف عن كل التفاصيل و بعد تلك التجربة، قررت التوقف تمامًا عن القيام بأي تصرف غير قانوني.
كيف يمكن التحكم بسهولة في الجانب "الإجرامي" من العقل؟
بالتأكيد. عندما حصلت على التصريح الأمني في سن الثامنة عشرة، أدركت حجم المسؤولية التي أحملها، وكنت مصممة على ألا أستخدمه إلا فيما يخدم الصالح العام. واليوم، أستثمر مهاراتي التخطيطية ليس فقط لتحقيق الخير، بل لأترك أثراً إيجابياً يساهم في بناء مستقبل أفضل وأكثر أماناً للجميع.
كيف أثرت عليك رغبتك في الفوز بأي ثمن؟
رغم أنني أصبحت أكثر قدرة على التعامل مع مثل هذه الأمور على مر السنين، إلا أنني لا أزال أجد صعوبة في تقبل الفشل في بعض الأمور. فعلى سبيل المثال، إذا لم أتمكن من توظيف شخص كنت أرى أنه مناسب جداً للشركة، أو إذا فقدت عميلاً مهماً، حتى لو كان ذلك لأسباب تقنية خارجة عن إرادتي، فإن ذلك يترك أثراً عميقاً عليّ. إنه شعور يصعب تجاوزه بسهولة، ويذكرني دائماً بأهمية السعي المستمر لتحقيق الأفضل.
تأسيس GYTPOL: من فكرة بسيطة على منديل إلى شركة رائدة في الأمن السيبراني.
بعد خمس سنوات من الخدمة العسكرية انتقلت كولندر Kollender إلى الحياة المدنية و استهلت مسيرتها المهنية في شركات بارزة مثل Netcom و Avant و Dell EMC. و خلال فترة عملها في Dell اغتنمت فرصةً لتأسيس مشروع ناشئ في مجال النقل الاجتماعي و ذلك ضمن برنامج مسرّع للأعمال الذكية، هذا المشروع جاء بفضل شراكتها مع جلعاد راز Gilad Raz الذي قابلته خلال البرنامج و هو أحد رواد الأعمال البارزين الذي أسهم في بيع شركة Digital Fuel بمبلغ يقارب 120 مليون دولار في عام 2011، و هذا التعاون شكل نقطة تحول هامة في مسيرتها حيث جمعت بين خبراتها الواسعة وطموحها لإحداث تأثير كبير في مجالها.
و عندما فشل مشروع النقل، قررت كولندر Kollender اتخاذ خطوة جريئة بترك وظيفتها اليومية لتكرس كل وقتها لمشروعها القادم. تقول: "خلال فترة عملي في Dell EMC، كنت أطمح إلى تحويل جيتبول GYTPOL إلى خدمة يمكن بيعها للعملاء بدلاً من مجرد منتج. قدمت الفكرة إلى الشركة، حيث أعربوا عن إعجابهم بها وقالوا: 'تبدو فكرة رائعة! سننظر فيها.' ومع ذلك، لم يتم اتخاذ أي إجراءات فعالة، لأن الشركات الكبيرة تعاني من تعقيدات الموافقات المتعددة، مما يجعل تنفيذ الأفكار الجديدة أمرًا صعبًا. هذه العقبات والإحباطات جعلتني أدرك أنني بحاجة إلى تغيير مساري، فقررت أن أبدأ شركتي الخاصة وأحقق رؤيتي من دون قيود."
ما هي الخطوة التي اتخذتها بعد ترك وظيفتك اليومية؟.
عندما عرضت فكرتي على جلعاد Gilad طلب مني أولاً أن ألتقي بشريكه ياكوف كوجان Yakov Kogan في نجاح Digital Fuel، لإقناعه بمشروعنا. جلعاد Gilad الذي يضع ثقته في الأشخاص الذين يؤمن بهم كان متحمساً للشراكة بيننا و مع ذلك كان ياكوف Yakov متشككاً، حيث أبدى قلقه قائلاً: 'أنا مشكك لأنني لم أتمكن من العثور على معلومات كافية على الإنترنت تتناول المشكلة التي تصفينها.' لقد كانت هذه الخطوة ضرورية، حيث أن إقناع ياكوف Yakov كان مفتاحاً لتحقيق النجاح."
كيف نجحت في إقناعه؟
في أحد الأمسيات، التقيت بصديق في حانة و كان يعمل في مجال تأسيس مسرّعات للشركات الناشئة. أثناء حديثنا، أخذت منديلًا من الطاولة و رسمت عليه خطة جيتبول GYTPOL موضحة له كيف أن هذا الحل يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في السوق. لم أكن أتصور رد فعله؛ فقد أضاء وجهه بالدهشة والإعجاب و سرعان ما قام بربطنا بشركة كبيرة من المحتمل أن تكون عميلا كبيرا لنا في المستقبل و هي شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية Israel Aerospace Industries - IAI. و عندما وصلنا إلى الاجتماع الأول معهم كان حماسهم واضحًا للغاية. بدا و كأنهم كانوا ينتظرون حلاً مثل جيتبول GYTPOL شعرت ان اك بأننا على وشك تحقيق تقدم كبير، وأكّد ياكوف Yakov الذي حضر معنا، قائلاً: 'أنا معكم'."
و في فبراير 2018، أطلقنا النسخة الأولى من منتجنا، التي لاقت اهتمامًا كبيرًا، حيث اشترتها شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) بعقد يمتد لثلاث سنوات. في عام 2019، اتخذنا خطوة كبيرة بتأسيس شركة جيتبول GYTPOL رسميًا، ودخلنا السوق بنشاط وحيوية. اسم GYTPOL هو مزيج من الأحرف الأولى لأسماء مؤسسي الشركة الثلاثة، إضافة إلى كلمة "POL" التي تعني السياسات Policy، مما يعكس التزامنا بتقديم حلول متكاملة في هذا المجال. منذ ذلك الحين، نمونا بشكل تدريجي لكن ثابت، حيث استثمرنا وقتنا وجهودنا في تحسين المنتج وتعزيز مكانتنا في السوق، مما مكننا من بناء قاعدة عملاء قوية وتوسيع نطاق أعمالنا بشكل مستدام.
كيف أصبحت الوجه الإعلامي لشركة GYTPOL على الرغم من أن شركاءك لديهم خبرة أكبر منك؟
يُعتبر ياكوف Yakov و جلعاد Gilad بمثابة 'شيوخ القبيلة' في عالم الأعمال فقد خاضوا تجارب ناجحة و أبرموا صفقات بارزة دون أن يسعوا وراء ألقاب الإدارة التنفيذية. و عندما لاحظوا شغفي وحماسي في العمل شجعوني على تولي القيادة، قائلين: 'تولّي القيادة'. لكنهم لم يكتفوا بذلك فقد حرصوا أيضاً على توجيهي للحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة. من خلال تجربتهم الطويلة يدركون تماماً كيف يمكن أن يكون الضغط الزائد ضاراً بالصحة ويؤثر سلباً على الأداء والإبداع. إنهم يسعون لضمان أن أتمكن من تحقيق النجاح دون التضحية برفاهيتي الشخصية.
التغلب على التحديات دون اللجوء إلى التمويل الخارجي.
لماذا لم تجمعي رأس مال، مثل الآخرين؟
في البداية، كنت أعتقد أننا سنحقق نجاحًا سريعًا ونتمكن من الخروج من السوق خلال عامين، كما يفعل الكثير من رواد الأعمال. لكن مع مرور الوقت، اكتشفنا أن الطلب على منتجنا يتزايد بشكل مستمر، مما دفعنا لإضافة المزيد والمزيد من العملاء وتطوير الحلول بشكل أكبر. كانت لديّ رغبة قوية في أن أخوض تجربة جمع الأموال من صناديق رأس المال، خاصة عندما رأيت أصدقائي يحققون نجاحات سريعة من خلال ذلك. لكن خلال أحد الاجتماعات مع مستثمر محتمل، فاجأني بتعليقاته الحادة حول المنتج. اقترح تغييرات جذرية وقال: 'قم بتعديل بعض الأمور ثم عُد إليّ.' في تلك اللحظة، أدركت أن مسارنا لن يكون تقليديًا كما تصورت، وأن علينا التكيف مع التحديات الجديدة لنمضي قُدمًا.
وكيف تطورت الأمور اليوم؟
نحن نمتلك سيولة نقدية جيدة في البنك و نعمل بشكل مربح، وشركتنا تحقق أرباحًا مستمرة، لذا لا أرى أي سبب يدعو للاستعجال في جمع الأموال. بالطبع، إذا جاء مستثمر ذو خبرة يمكنه أن يساهم في تعزيز ميزتنا التنافسية وتوسيع نطاقنا في السوق من خلال زيادة ميزانية التسويق والمبيعات، فسنكون مهتمين بالتعاون معه. ومع ذلك، أنا لست مستعدة للتسرع في اتخاذ قرار جمع الأموال الآن، و أفضل التركيز على النمو المستدام وبناء أسس قوية للمستقبل.
كيف تستطيع الشركات الممولة ذاتياً، مثل شركتك، أن تحظى بتقدير كبير في الصناعة رغم أنها تعاني من غياب مستثمر يمكنه دفع عجلة النمو و تعظيم قيمة الاستثمار و المساهمة في تحقيق خروج ناجح؟
هذا صحيح تمامًا. و لقد أدركنا بوضوح أن العمل بشكل مستقل قد يقيد قدرتنا على زيادة القيمة الحقيقية للشركة. لذا قمنا بإعادة هيكلة شاملة تتضمن تعيين مدير مالي CFO متمرس و الذي سيساهم في تحسين إدارة الموارد المالية بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، نحن نستثمر في بناء شراكات استراتيجية قوية على الصعيدين التجاري والتقني. هذه الخطوات تعزز من قيمة الشركة و تجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين المحتملين. بفضل هذه التحسينات نحن في وضع قوي لتحقيق أهداف طويلة الأمد، بما في ذلك الاستعداد لخروج ناجح Exit أو تنفيذ طرح عام أولي IPO في المستقبل القريب نحن ملتزمون بزيادة القيمة وتنفيذ استراتيجيات تتسم بالابتكار والنمو المستدام.
هل تشعرين أن شركتك قد تكون الآن في مرحلة لم يعد فيها الوقت مناسباً لتحقيق خروج ناجح؟
رغم مرور وقت طويل دون الحصول على استثمار، فإن الأمور تتجه نحو الأفضل بفضل التطورات الجديدة. نحن على وشك إطلاق شراكات استراتيجية قوية، وسنبدأ حملة تسويقية واسعة النطاق، بالإضافة إلى استقطاب عملاء جدد هذا العام. لذلك، لا أعتبر الخروج محطة تخطيناها، بل أراها محطة مستقبلية نسعى للوصول إليها، إذ إننا لا زلنا في مرحلة البناء والتوسع، ونركز على تحقيق النجاح والاستمرارية قبل النظر في خطوات الخروج.
نظرة على قطاع الأمن السيبراني في إسرائيل
هل تعتقدين أن سوق الأمن السيبراني في إسرائيل مشبع بالشركات؟
يتمتع هذا المجال بإمكانات واسعة لا حصر لها، مما يفسر الوجود الكبير للعديد من الشركات فيه. فشركات بارزة مثل CrowdStrike و Wiz تبذل جهدًا كبيرًا لتقديم حلول شاملة ضمن منصة واحدة، (بحيث لا تضطر مثلا لشراء 100 منتج مختلف يغطي كل شيء)، مما يسمح للعملاء بتقليص عدد المنتجات التي يحتاجون إليها لتلبية جميع احتياجاتهم الأمنية. هذه الاستراتيجية تتماشى مع الاتجاه السائد اليوم، حيث تسعى الشركات لتقديم حلول متكاملة تسهل إدارة الأمن السيبراني وتقلل من تعقيد الأمور. في عالم يتزايد فيه الطلب على الحلول الفعالة، يُنظر إلى هذه المنصات الشاملة على أنها الخطوة التالية نحو تعزيز الأمان وتقليل التكاليف."
دور المرأة في صناعة السايبر: التحديات والفرص في عالم التكنولوجيا الأمنية.
هل تعتقدين أن صناعة الأمن السيبراني تفتقر إلى التوازن بين الجنسين؟ يظل عدد النساء الرياديات في هذا المجال محدودًا.
النساء بطبيعتهن لا يتهربن من العمل الشاق لكنهن يواجهن تحديات خاصة تتعلق بالمسؤوليات العائلية. فخلال فترة صغر الأطفال، تتحمل الأمهات عبءاً كبيراً من المسؤوليات المنزلية مما يضعهن في موقف صعب يحد من تقدمهن المهني. في كثير من الأحيان، تجد النساء أنفسهن محصورات بين أواخر العشرينات وبداية الثلاثينيات، حيث تكون الأولويات غالباً موجهة نحو الأسرة. لكن مع مرور الوقت وبعد تجاوز هذه المرحلة، يبدأن في اكتساب الخبرة والمهارات اللازمة التي تمكنهن من التنافس بفعالية. لذلك، من الشائع أن تجد الكثير من النساء في مناصب نائب الرئيس بدلاً من المدير التنفيذي في مراحل حياتهن المهنية المبكرة. هذا التأخير في الوصول إلى أعلى المناصب يعكس التحديات الفريدة التي تواجهها النساء، ولكن أيضاً يُظهر قوتهن وقدرتهن على تحقيق النجاح بعد تجاوز هذه العقبات.
هل واجهتِ تحديات تتعلق بالتمييز أثناء مسيرتك المهنية؟
في البداية، واجهت الكثير من الازدراء حتى قررت أن أرفع صوتي وأدافع عن رأيي. بينما سمعت عن تجارب لنساء يشعرن بالتمييز، أرى أن كونك المرأة الوحيدة في الغرفة يمكن أن يكون له جانب إيجابي أيضاً. فهذا الوضع يلفت الانتباه إليك ويمنحك فرصة للتفرد والتأثير بشكل أكبر، مما يمكن أن يكون دافعاً قوياً لتسليط الضوء على أفكارك ومساهماتك.
و ختاماً لقد أثبتت جيتبول GYTPOL مكانتها في صناعة الأمن السيبراني بفضل الابتكار والمثابرة. في النهاية، تُظهر قصة تأسيس هذه الشركة كيف يمكن لفكرة بسيطة أن تتطور إلى حل حقيقي يلبي احتياجات السوق. ومع استمرارها في النمو، يتوقع أن تواصل GYTPOL تعزيز موقعها الريادي في هذا المجال الحيوي.